ما بعد إرجاع الأجنة

ما بعد إرجاع الأجنة: رحلة الانتظار والترقب والتعامل مع المؤشرات الأولى للحمل

تمثل مرحلة ما بعد إرجاع الأجنة واحدة من أكثر الفترات حساسية وتوترًا في دورة التلقيح الصناعي (IVF)، حيث تتجمع فيها آمال الزوجين المنتظرين مع مشاعر القلق والترقب، وتبدأ رحلة مراقبة الجسد عن كثب في محاولة لفهم المؤشرات الأولى لنجاح العملية أو فشلها. وعلى الرغم من أن إرجاع الأجنة إلى رحم المرأة يمثل ذروة الجهد الطبي والتقني المبذول في دورة التلقيح، إلا أن النجاح الحقيقي لا يُقاس إلا بحدوث انغراس الجنين وتثبيته في بطانة الرحم بشكل طبيعي، ما يؤدي إلى بداية الحمل.

تمتد الفترة التي تلي إرجاع الأجنة من 10 إلى 14 يومًا، تعرف باسم “فترة الانتظار” أو Two Week Wait (TWW)، وتُعد من أكثر الفترات إجهادًا نفسيًا وجسديًا للمرأة. إذ يتوجب عليها خلالها التحلي بالصبر، والامتناع عن الاستنتاجات المبكرة، والالتزام بتوصيات الطبيب بعناية شديدة.

أولاً: ما هو إرجاع الأجنة؟

إرجاع الأجنة هو الإجراء الذي يتم فيه إدخال أجنة مخصبة مخبريًا إلى داخل الرحم بعد بضعة أيام من تخصيب البويضات بالحيوانات المنوية. يتم هذا عادةً في اليوم الثالث أو الخامس بعد سحب البويضات. وقد تكون الأجنة طازجة أو مجمدة مسبقًا وفقًا لحالة المريضة.

المرحلة التالية مباشرة بعد إرجاع الأجنة

بعد إرجاع الأجنة، تبدأ عملية بيولوجية دقيقة وحساسة للغاية. تمر الأجنة بعدة مراحل حتى تصل إلى مرحلة الانغراس، وهذه المرحلة حاسمة في تقرير مصير العملية:

1. اليوم الأول إلى الثالث بعد الإرجاع: يبدأ الجنين في الخروج من الغلاف الخارجي الخاص به (Hatching)، استعدادًا للالتصاق ببطانة الرحم.

2. اليوم الرابع إلى السادس: تحدث عملية الانغراس، وهي اللحظة التي يتصل فيها الجنين بنسيج بطانة الرحم ليبدأ في النمو والتطور.

3. من اليوم السابع إلى العاشر: يبدأ الجسم في إفراز هرمون الحمل (HCG)، وهو المؤشر الأولي على انغراس الجنين.

الأعراض والتغيرات المحتملة بعد إرجاع الأجنة

من المهم التوضيح أن وجود أو غياب الأعراض لا يعني بالضرورة فشل أو نجاح العملية. فكل امرأة تختلف عن الأخرى في الاستجابة والتفاعل. ومع ذلك، يمكن ملاحظة بعض الأعراض الشائعة، مثل:

• نزيف خفيف (Spotting): ويُعد أحيانًا علامة على انغراس الجنين، لكن قد يكون أيضًا بسبب تهيج عنق الرحم نتيجة الإجراء.

• تقلصات خفيفة في البطن: ناتجة عن عملية الانغراس أو بسبب استخدام البروجستيرون.

• تغيرات في الثدي: تورم أو ألم أو حساسية مفرطة.

• إرهاق عام وتغير في الحالة المزاجية: نتيجة تقلبات هرمونية.

• انتفاخ وألم في البطن: بسبب التحفيز المبيضي أو تأثيرات الأدوية الهرمونية.

• ارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم القاعدية: نتيجة إنتاج البروجستيرون من الجسم الأصفر.

التوصيات الطبية بعد إرجاع الأجنة

خلال هذه الفترة الدقيقة، توجد مجموعة من التعليمات الطبية الصارمة التي تهدف إلى تحسين فرص الانغراس وتقليل المخاطر المحتملة. ومن أهمها:

• الراحة النسبية: لا يُشترط البقاء في السرير، لكن يُفضل تجنب المجهود البدني الشاق، وحمل الأوزان الثقيلة، والأنشطة التي تسبب إجهادًا بدنيًا مفرطًا.

• الامتناع عن العلاقة الزوجية: في الأيام الأولى، يُنصح بتجنب الجماع لتقليل التقلصات الرحمية.

• تناول الأدوية الموصوفة بانتظام: خصوصًا الأدوية المثبتة للحمل مثل البروجستيرون (عن طريق الحقن أو التحاميل المهبلية).

• الابتعاد عن مصادر التوتر النفسي: فالإجهاد العقلي يؤثر سلبًا على التوازن الهرموني.

• النظام الغذائي الصحي: غني بالبروتينات، والفيتامينات، والألياف، والحديد، مع تجنب الأطعمة المعلبة أو المصنعة أو المحتوية على مواد حافظة.

• المتابعة الدقيقة لأي أعراض غير طبيعية: كالنزيف الغزير أو الألم الشديد أو ارتفاع الحرارة.

التحليل الرقمي لهرمون الحمل

بعد مضي حوالي 12 إلى 14 يومًا من إرجاع الأجنة، يُطلب من المرأة إجراء فحص الـ HCG الرقمي في الدم، وهو التحليل الوحيد المؤكد لوجود الحمل في هذه المرحلة. ويُفضل عدم الاعتماد على اختبارات الحمل المنزلية المبكرة لتفادي النتائج السلبية الكاذبة أو الإيجابية نتيجة حقن التفجير السابقة.

وتشير القيم الأولى من هرمون HCG إلى نجاح أو فشل الانغراس، ويجب تكرار التحليل بعد يومين لملاحظة الزيادة المضاعفة في مستوى الهرمون، وهي العلامة الحقيقية على تطور الحمل بشكل سليم.

المشكلات المحتملة خلال هذه الفترة

بعض النساء قد يتعرضن إلى مشاكل مختلفة بعد إرجاع الأجنة، مثل:

• فشل انغراس الجنين: قد يكون لأسباب تتعلق بجودة الأجنة أو استقبال بطانة الرحم أو وجود اضطرابات مناعية.

• الحمل الكيميائي: عندما يرتفع مستوى هرمون الحمل ثم ينخفض سريعًا بسبب توقف نمو الجنين في مراحله الأولى.

• الحمل خارج الرحم: نادر لكنه وارد، خاصة إذا شعرت المرأة بآلام حادة أو نزيف.

• فرط تحفيز المبيضين (OHSS): قد يحدث بسبب تأثيرات الهرمونات خصوصًا في الحالات التي تتضمن تحفيز مكثف.

الجوانب النفسية والعاطفية

تعد الفترة ما بعد إرجاع الأجنة من أصعب الفترات نفسيًا، نظرًا لتأرجح المشاعر بين الأمل والخوف، لا سيما لمن مرّوا بمحاولات سابقة غير ناجحة. ويُنصح بالتالي:

• تجنب البحث المفرط عن الأعراض على الإنترنت، لأن التفسيرات المتضاربة قد تزيد القلق.

• دعم الشريك والمحيط العائلي مهم جدًا في هذه المرحلة.

• اللجوء إلى مختص نفسي إن لزم الأمر، خصوصًا في حالات الاكتئاب أو نوبات القلق المستمرة.

• اعتماد تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل أو الاستماع لموسيقى هادئة.

أهمية البروجستيرون بعد الإرجاع

يلعب هرمون البروجستيرون دورًا محوريًا في تهيئة بطانة الرحم وتثبيت الجنين بعد الإرجاع، وهو ضروري في جميع دورات التلقيح المساعد تقريبًا. وبدونه، حتى في حال نجاح الإرجاع، قد لا يتم الانغراس أو يستمر الحمل. ولهذا يجب الالتزام الدقيق بتناوله بالشكل والطريقة التي يحددها الطبيب.

العادات اليومية بعد إرجاع الأجنة

هناك بعض العادات التي يجب تعديلها بعد الإرجاع للحفاظ على أفضل بيئة ممكنة لانغراس الجنين، منها:

• تجنب الحمامات الساخنة أو الساونا.

• النوم على الظهر أو الجانب الأيسر قدر الإمكان.

• عدم استخدام الدش المهبلي أو الكريمات الموضعية غير الموصى بها.

• التوقف عن التدخين أو الكحول (إذا كانت تُستخدم)، فلهما تأثير سلبي مباشر على بطانة الرحم والجنين.

جدول مقارنة بين أعراض الحمل بعد إرجاع الأجنة والأعراض الجانبية للأدوية

المراجع

• American Society for Reproductive Medicine (ASRM) Guidelines.

• European Society of Human Reproduction and Embryology (ESHRE) Clinical Guidelines.